advertisement

نهاية عصر الهكسوس وطردهم

advertisement

تحرير البلاد من الهكسوس

advertisement

بعد وفاة الملك “كامس”، الذي نجح في طرد الهكسوس وإلحاق الهزيمة بهم دون قضاء شامل عليهم، تولى شقيقه الأصغر “أحمس” زمام الأمور. تمكن “أحمس” من إخراج الهكسوس بشكل نهائي وتطهير البلاد منهم، واعتبر أول بطل يحرر البلاد بالكامل. قاد جيشًا مصريًا مكونًا من 480 ألف جندي وفرسان ومشاة، وتميز بالحماسة والوطنية، وكان هدفه الوحيد تحرير مصر وطرد الهكسوس. تم تجهيز الجيش بأسلحة من البرونز والفرسان ورماة العجلات الحربية التي استخدمتها الهكسوس في غزوهم لمصر. قاد “أحمس” الجيش من طيبة إلى شرق الدلتا حيث العاصمة الهكسوسية “أفاريس”، على متن سفن نهرية كبيرة. وقد خاضوا معارك برية وبحرية ضد الهكسوس ودمروا مدينة “أفاريس” وأبادوا العدو. قاد “أحمس” المعركة على متن سفينة حربية تليها سفن أخرى، وكان من بين قادة الجيش “أحمس بن أبانا” و”أحمس بن نخب”. بعد الانتصار على الهكسوس، قام “أحمس” بتوحيد المناطق النوبية والقضاء على حكام الأقاليم الذين كانوا يتعاونون مع الهكسوس. شكل ذلك العصر الجديد في تاريخ مصر، وعرف بعصر الدولة الحديثة لأسرتي الثامنة عشرة والتاسعة عشر والحادية والعشرين.

أول شهيد وطنى فى معركة الهكسوس

قد أطلق المؤرخون على الفترة الممتدة من الأسرة الثالثة عشرة إلى الأسرة السابعة عشرة اسم “الاضمحلال الثاني”. استمر هذا العصر لمدة تقرب من مائتي عام، من حوالي عام 17750 قبل الميلاد إلى حوالي عام 1570 قبل الميلاد. خلال هذه الفترة، تمزقت أوصال مصر الدولة مرة أخرى بين حكام الأقاليم والغزاة المعروفين تاريخياً باسم “الهكسوس”، الذين تمركزوا في الدلتا وسيطروا على حكام معظم الأقاليم المصرية.

قام أبناء مصر بالدفاع عن أرضهم بإصرار وطني عظيم على إعادة توحيد البلاد وتحريرها من المستعمر الهمجي البغيض. وقد حدثت الإرهاصات الأولى لهذه الهبة الوطنية المصرية في عهد آخر ملكين من الأسرة السابعة عشرة، وهما الملك الوطني الشهيد “سقنن رع” والملك “كامس”. استخدم هؤلاء الملوك السفن النهرية الضخمة كوسيلة لنقل الجنود والعتاد الحربي عبر النيل، متوجهة إلى الدلتا لتنفيذ العمليات الحربية والهجمات المتعاقبة على قواعد الهكسوس.

كان الملك “سقنن رع”، الشهيد في تلك الحقبة، يعتبر شجاعًا وكان يقود الجيش في مسيرات حربية، انضم إليها الكثيرون من أبناء الشعب المصري، بما في ذلك الفلاحين والعمال والحرفيين الشباب من جميع أقاليم مصر، وكانوا يتطوعون للمشاركة في حرب التحرير المقدسة ضد معاقل الهكسوس. سقط الملك “سقنن رع” شهيدًا على أرض المعركة.

تولى ابنه الملك “كامس” مواصلة حرب التحرير المقدسة واستمر في معاركه ضد معاقل الهكسوس. حاصرهم في عاصمتهم الحصينة التي اتخذوها في مدينة “أفاريس”، التي تعرف حاليًا بتل الضبع في شرق الدلتا، وجعلهم غير قادرين على الخروج من تلك المدينة.

وتؤكد النصوص التاريخية أن الملك “كامس” كان يبحر بسفنه على طول النيل من طيبة/الأقصر إلى الفرع الشرقي للدلتا، حيث كان يستخدم سفينته كقاعدة لقيادة العمليات الحربية. كما يُذكر أن الملك “كامس” قد نقش على نصب تذكاري في معابده بالكرنك عبارة “لقد أبحرت شمالًا لضرب الآسويين وقضيت الليل في سفينتي وقلبي فرح وضربت العدو ودمرت أسواره، وكان جنودي كالأسود”.

وظل “كامس” يحارب الهكسوس ويطاردهم، لكنه لم يتمكن من القضاء عليهم نهائيًا. اضطر للعودة بجيشه جنوبًا ليواجه مؤامرة تدبرتها النوبيون وأبو فيس، ملك الهكسوس، حيث كان النوبيون يخططون لغزو البلاد من الجنوب لتشتيت الجيش المصري بين حربين في الجنوب والشمال.

دور السفن البحرية في عملية النصر على الهكسوس!

تُذكر أن السفن البحرية لعبت دورًا كبيرًا في تحرير الجيش المصري من الهكسوس، حيث ساهمت في توطيد إمبراطورية مصر خلال تلك الفترة بقيادة الملك أحمس. امتدت نفوذ مصر شرقًا وشمالًا في جميع الأقاليم التي تشمل الآن فلسطين وإسرائيل والأردن ولبنان وسوريا والعراق، حتى جنوب شرق تركيا. ونتيجة لذلك، زاد استخدام السفن البحرية الضخمة بأعداد كبيرة لنقل الجيوش والعتاد والمؤن وتلبية المتطلبات العسكرية اللازمة لتعزيز الجيوش التي تسعى للفوز وتحقيق النصر.

advertisement

ونتج عن ذلك تحويل معظم الموانئ الساحلية في فلسطين وسوريا إلى قواعد بحرية حربية للسفن والأساطيل المصرية. ولتلبية هذه الاحتياجات البحرية الضخمة وتوسع الأسطول البحري بعدد متزايد من السفن الكبيرة، قامت الدولة بتطوير وتعزيز ترسانات بناء السفن في مناطق مختلفة على طول نهر النيل وسواحل البحر الأحمر والبحر المتوسط. وكانت أهم تلك الترسانات هي الترسانة الملكية برعو ونوفت، والتي تقع على نهر النيل بالقرب من مدينة منف، والتي كانت تُعتبر العاصمة الثانية لمصر بعد العاصمة الرئيسية طيبة (الأقصر) في ذلك الوقت.

نهاية عصرالهكسوس

يُذكر أن مركز حكم جماعة الهكسوس كان في شرق الدلتا، ولكن مع مرور الوقت، امتد نفوذهم ليشمل الدلتا بأكملها والصعيد، وعلى الرغم من عدم معرفتنا بالعلاقة بين الهكسوس وأبناء البلاد. ومضت أيام الأسرتين الخامسة عشرة والسادسة عشرة دون وجود حكام في البلاد يمكنهم مقاومة نفوذهم. ومع ذلك، في الأيام الأخيرة من حكم الهكسوس، بدأ بعض أمراء الصعيد في الشعور بقوتهم، وكان أكثرهم نفوذًا وأعظمهم سلطانًا هم أمراء طيبة الذين تحالفوا مع جيرانهم في شمال طيبة وجنوبها، لكنهم لا يزالون يدفعون الجزية لملوك الهكسوس.

وجاء اليوم الذي رأى فيه هؤلاء الأمراء أنهم أصبحوا أقوياء وأكثر قوة، وأن قوة أعدائهم في الشمال بدأت في الانحلال، فلم يترددوا في اعتبار أنفسهم ملوكًا لإقليمهم. وبدأوا يكتبون أسماءهم في خانات الملوك بجانب القباب التقليدية باعتبارهم ملوك الوجهين القبلي والبحري. وهؤلاء هم ملوك الأسرة السابعة عشرة الذين كانوا معاصرين للملوك الهكسوس في الدلتا.

advertisement

ويشار إلى أنه في السنة الثالثة من حكم الملك كامس، تم العثور على نص قديم في لوحة كارنارفون، وتم نشره بواسطة العالم جاردنر. تم العثور عليه حديثًا في معبد الكرنك عام 1928، ونصه كان كالتالي: “الملك القوي في طيبة كامس له الحياة إلى الأبد. إنه ملك صالح وفيّ قرر رع أن يكون ملكًا حقيقيًا وأعطاه القوة والحق، وكان جلالته في القصر وقال للحاضرين من كبار رجاله الذين كانوا حوله: أريد أن أعرف مدى سلطاني إذا كان هناك حاكم في أوراريس وآخر في كوش، وأن يجلس شريكًا بين أسيوي ونوبي ويحكم كل منا جزءًا من مصر. إن الشخص الذي يشاركني في الأرض يجعلني لا أستطيع الوصول إلى منف وهي تابعة لمصر، لأنه يسيطر على مدينة الأشمونين. والناس في نصب لأنهم جميعًا في خدمة الأسيويين. سأحاربه وسأدمر سلطته، لأن رغبتي هي أن أحرر مصر وأهزم الأسيويين”.

فأجاب مجمع رجاله قائلين: “إن منطقة الأسيويين تمتد حتى القوصية، ونحن في سلام ونحكم بلادنا وتمتعنا بالاستقرار. جميع البلاد حتى القوصية تحت سلطتنا، والرجال يزرعون أراضينا ويرعون ماشيتنا في الدلتا، وتأتي إلينا الشعاب علفًا لخنازيرنا. لم يستول أحد على ماشيتنا بالقوة ولم يعتد علينا. هو يمتلك أراضي الأسيويين ونحن نمتلك أراضي مصر. وإذا حدث أن يعتدى علينا أحد، فسنقاومه. إقليم الأشمونين قبل جيوش طيبة”.

وبدأ النضال من جديد ضد الهكسوس في مدينة نفروسي، وتمكنوا من هزيمتهم. يذكر أن الملك سقنزع قاوم الهكسوس بأعنف المقاومات، لكنه لم يستطع هزيمتهم. ثم جاء أخوه كامس، الذي أسر رسولًا أرسله الهكسوس إلى كوش، يحمل رسالة مكتوبة بخط يده يحرض فيها أمير كوش (النوبة العليا) على مهاجمة مصر من الجنوب أثناء انشغال كامس بالأمور البحرية. وعندها قرر أن يشاركه في حكم مصر بمثابة شريك له، ولكنه في الواقع كان حاكمًا لجزء من مصر بناءً على الرسالة التي وجهها إليه الملك.

advertisement

أحمس هازم الهكسوس

advertisement

بعد ذلك، قاد الملك أحمس، أخو الملك كامس، حملة لمقاومة الهكسوس وطردهم من مصر. وبفضل جهوده ونصره المستمر، تمت الهزيمة الشاملة للهكسوس وتم تطهير مصر منهم. تم الاستيلاء على عاصمتهم أواريس بعد حصارها من قبل الجيش المصري بقيادة أحمس. وهرب الهكسوس إلى مدينة شاروهن في جنوب غزة، وتم حصارهم هناك من قبل المصريين لمدة ثلاث سنوات حتى سقطت المدينة وتم تحقيق النصر على الأعداء.

موقع مدينة شاروهن اليوم هو تل فرعه، وهي المنطقة التي تعرف بـ”فلندرز بترى”، وهو اسم بيت بلث في تقارير الحفائر.

بعد أن أكمل تحرير بلاده وتأكد من تدمير أعدائه، توجه أحمس إلى إعادة إعمار بلاده وبدأ حملة جنوبية. تم دمج جيوش مصر المتحدة من طيبة لمحاربة الهكسوس، وبذلك استعادت الإمبراطورية المصرية سلطتها واستقلالها. كما حقق أحمس إنجازًا آخر بطرد الهكسوس من مصر ووضع الحجر الأول في بناء صرح وطنهم.

بالنسبة للهكسوس أنفسهم، تم تفريقهم وتشتتهم بعد حروب أحمس الأولى. وبالرغم من أن تاريخهم كقوة حربية أو كأمة لها كيانها قد انتهى، إلا أن بقايا تأثيرهم الثقافي استمرت في مصر. استمر تأثيرهم الثقافي في الحياة المصرية حتى فترة الأسرة الثامنة عشرة بعد طردهم من البلاد.

في فلسطين، نجح الملك تحتمس الثالث في تحقيق انتصار قاطع على الهكسوس وإخضاعهم في آسيا. وعلى الرغم من ذلك، استمرت تأثيرات الهكسوس وثقافتهم وعاداتهم في أرض كنعان، وظهر ذلك أيضًا عندما وصل العبرانيون إلى تلك الأراضي.

وفاة أحمس الأول

advertisement

أحمس الأول كان من أنبل ملوك مصر ومن أشجع محرريها وفارسها في طرد الغزاة الهكسوس. وعلى الرغم من كونه ابن سقنزع وأخ كامس، إلا أن مانيتون اعتبره مؤسس أسرة جديدة. ويرى المصريون القدماء أن أحمس فتح صفحة جديدة في تاريخهم بعد أن نجح في تحرير بلادهم من الاستعمار وإحداث تغيير كبير في حياتهم. ولذلك يبدو منطقياً أن يكون بداية الأسرة الثامنة عشر مع بطل الاستقلال. وبعد أن هزم الهكسوس وأخرجهم من البلاد وتابعهم في فلسطين، توجه أحمس نحو الجنوب لإستعادة الأمن هناك. ولكن خلال غيابه، حاول بعض المصريين (وربما كانوا من نفس عرق الهكسوس أو متعاطفين معهم) التمرد، فعاد وأخمد ثورتهم ولم نسمع عن أي محاولة أخرى. وامتد حكم هذا الملك – الذي اشتهر اسمه في كل مكان – إلى أربعة وعشرين عاماً قضاها في إصلاح البلاد وتثبيت النظام وتجديد المعابد، خاصة في طيبة وأبيدوس. واسم (1)أحمس يعني (2)القمر، واسم أمه (3)إعح حوتب يعني (4)القمر المطمئن. وتوفي أحمس في سن الأربعين، وخلفه على العرش ابنه أمنحوتب الأول. وأصبح لديه عبادة خاصة به في أبيدوس كان شأنها أكبر من شأن عبادته في طيبة!!

ما نتعلمه من حرب الهكسوس

في منتصف القرن السادس عشر ق.م، قام أمراء طيبة الجنوبية بحرب التحرير، وأخرجوا الهكسوس من مصر، وتبعوهم إلى جنوب فلسطين، وحاربوهم في شاروحين (5)تل الفارعة الجنوبي، لكنهم لم يستطيعوا القضاء عليهم نهائياً. ولهذا السبب، تعلم الفراعنة منذ الأسرة السابعة عشرة وما بعدها أن جنوب فلسطين هو خط الدفاع الأول لشمال مصر، فسعوا إلى فرض سيطرتهم عليه بطرق متعددة. ولذلك فأمن مصر ودورها المحوري في المنطقة العربية يتصل بأمن فلسطين والسودان والعراق وسوريا ولبنان وليبيا وجميع الدول العربية الشقيقة. فهل نستفيد من هذا الدرس قبل أن يفوت الأوان؟!

المصادر والمراجع[+]

advertisement